تحقيق شامل حول التبرع بالبويضات في الإسلام، الأحكام الشرعية بحسب المذاهب


أصبح العُقم من المشكلات الشائعة في العالم المعاصر، إذ تُظهِر الإحصاءات أنّ ما يقارب 15 إلى 20 بالمئة من الأزواج حول العالم يعانون من مشكلات في الإنجاب. ساهم التقدّم الطبي الحديث والاستعانة بتقنيّات مختلفة في تحسين فرص العلاج بشكلٍ كبير. تعتبر عمليات أطفال الأنابيب  (IVF)، والتبرع بالبويضات أو بالحيوانات المنويّة، واستئجار الأرحام من بين التقنيات المساعدة على الإنجاب التي يتمّ اعتمادها في العديد من البلدان. وفي هذا الصدد، يُعدّ التبرع بالبويضات من أكثر العلاجات المساعدة على الإنجاب إثارةً للجدل، والذي يلقى آراء متباينة بين مؤيدين ومعارضين، بحيث أصبحت هذه المسألة محلّ نقاش واسع في العديد من البلدان الإسلامية. فهل التبرع بالبويضات حلال أم حرام في الإسلام؟ تابعوا المقال لتتعرّفوا معنا بشكلٍ كامل على إجابة هذا السؤال.

الآراء المؤيدة والمعارضة  للتبرع بالبويضات

التبرع بالبويضات في الإسلام له مؤيّدون ومعارضون كُثر، سواءً كانوا من المذهب الشيعي أم من المذاهب السنية. يرى بعضهم أنّه حلال بالكامل وجائز وشرعي طالما أنّه لا يسبّب أيّ ضرر للمتبرّعة أو للمتلقّية أو للطفل المولود من هذه الطريقة، ولا يقع فيه أيّ فعلٍ مخالفٍ للشرع. كما أنّ هذا العلاج يساعد الأزواج الذين طال انتظارهم للإنجاب لتحقيق حلم الأبوّة والأمومة. كما يؤكد المؤيدون لهذا الإجراء بأنّ الطفل المولود يكون ابنًا شرعيًا للأب والأم (المرأة المتلقّية للبويضة المهداة). في المقابل، يعارض فريقٌ آخر هذا الأسلوب العلاجي، ويرون بأنّه ينافي الكرامة والقيم الإنسانية، وقد يؤدّي إلى بروز مشكلاتٍ في حفظ الأنساب والروابط الدموية بين الوالدين والأبناء.

Proponents and Opponents' Views on Egg Donation

رأي العلماء الشيعة حول التبرّع بالبويضات

في الفقه الشيعي يُعتبر الحمل باستخدام البويضة المتبرَّع بها عمومًا حلالًا، ويحظى بموافقة غالبية العلماء الشيعة تحت شروطٍ خاصة. فعلى سبيل المثال، يرى آية الله الخامنئي أنّ التبرع بالبويضات والأجنة وحتى الرحم البديل هي مسألة شرعيّة ومجازة تمامًا تحت ظروفٍ معيّنة. وبالطبع فقد أكّد على ضرورة أن لا يحدث بأيّ حالٍ من الأحوال لمسٌ أو نظرٌ محرّم، ولا علاقة جنسية غير مشروعة في مرحلة تكوين الجنين ونقله. وهنا يُقصد بالعلاقة الجنسية غير المشروعة بأنّها تماسٌّ بدنيّ وجنسيّ، الأمر الذي لا يحدث نهائيًّا في هذا الأسلوب العلاجي.

يعتقد المرجع آية الله الخامنئي والمرجع آية الله السيستاني وغيرهم الكثير من مراجع الشيعة بأنّ هذه الطريقة العلاجية هي من مصاديق العمل الخيري، إذ تُسهِم في حفظ كيان الأسرة، وهو أحد الأهداف العُظمى للشريعة الإسلامية. وبالطبع فقد عبّر بعض علماء الشيعة عن مخاوفهم تجاه هذا الأسلوب كآیة الله نوری الهمداني و آیة الله وحید الخراساني، ورأوا أنّه قد يترتّب عليه مشكلات محتملة بعد إجرائه. ومع ذلك، لا يُحرّم هؤلاء المراجع استخدام البويضات المتبرَّع بها، ويعتقدون أنّ هذا الإجراء يجب أن يتمّ ضمن رعاية دقيقة ووفق ضوابط شرعية وقانونية محدَّدة، وذلك لمنع حدوث أيّ مشكلاتٍ لاحقة ناشئة عن هذا الإجراء.

رأي علماء أهل السنّة حول التبرع بالبويضات

يُواجه موضوع التبرع بالبويضات معارضة أكبر لدى الفقهاء السنّة. فبعض علماء أهل السُّنّة، مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، يرون أنّ التبرع بالبويضات غير جائز شرعًا لأنّه يشمل طرفًا ثالثًا في عملية الإنجاب. يعتقد هذا الفريق بأنّ هذا الأسلوب العلاجي يؤدّي إلى خلل في أصل ونسَب المولود، كما ويعتقدون بأنّه قد يتسبّب بمشكلات أخلاقية وعاطفية واجتماعية بين الطفل ووالديه في المستقبل. يعتقد هذا الفريق بأنّ أيّ عملية تخصيب بين نطفة رجل وبويضة من امرأة غير الزوجة الشرعية، حتى لو كانت بنية العلاج وفي بيئةٍ مخبرية، تُعَدّ محرّمة.

ومن جهةٍ أخرى، أباح بعض علماء أهل السنّة هذا الأسلوب تحت شروطٍ محددة، مثل الشيخ محمد صالح المنجد، الذي يرى أنّه إذا تزوّجت المتبرّعة ولو بعقدٍ مؤقّت بالرجل، جاز استخدام بويضاتها في تلقيح زوجته الأصلية. وبشكلٍ عام، فإنّ نسبة المعارضين للتبرّع بالبويضات من علماء أهل السُّنّة أكثر من علماء الشيعة.

رأي القرآن حول التبرع بالبويضات

لم يَرِد في القرآن الكريم نصّ صريح حول مسألة التبرع بالبويضات، لكن بشكلٍ عام، يمكن النظر لهذه المسألة بناءً على القواعد العامة للشريعة الإسلامية. فالشرط الأساس الذي تُجمع عليه الفتاوى هو الابتعاد التامّ عن أيّ علاقة جنسية غير مشروعة، مع تحقّق الرضا الكامل من الطرفين، وحفظ الشأن وصون الكرامة الإنسانية. فعند الالتزام بكافة هذه المبادئ، تصبح مسألة التبرع بالبويضات والحمل الناتج عنها غير محرَّمة من حيث الأصل.

إيران محور التبرّع بالبويضات في العالم الإسلامي

تعتبر إيران محورًا أساسيًّا للتبرع بالبويضات والأرحام بحيث تتمّ بشكلٍ قانوني بالكامل وتحت إشراف المراجع الدينيّة، وذلك بفضل التطور الطبي في إيران، ولكونها بلدًا ذو أكثريّة شيعيّة. تمتلك إيران عيادات ومراكز طبيّة مجهزة بكوادر طبيّة ذات احترافية وخبرة عالية. في إيران، لا تقتصر الاستفادة من التبرّع بالبويضات على الأزواج الإيرانيين الذين تمكّنوا من الإنجاب، بل إنّ عددًا كبيرًا من الأزواج من دولٍ أخرى يسافرون إلى إيران للاستفادة من هذا الأسلوب العلاجي أيضًا.

خلاصة

يُعتبر التبرّع بالبويضات إحدى طرق علاج العقم التي يتمّ استخدامها في إيران والعدید من الدول الأخرى. ومع التحدّيات الكثيرة المرتبطة بهذه الطريقة، فإنّها مُباحة ومشروعة تمامًا من الناحية الإسلامية تحت شروطٍ محدّدة، وتُساعِد الأزواج الذين يعانون من العقم على تحقيق حلمهم في إنجاب الأطفال وتكوين عائلة.

الاتصال بنا

للحصول علی أي استشارة حول التبرّع بالبويضات اتصل بنا

أسئلة شائعة حول التبرّع بالبويضات في الإسلام

هل التبرّع بالبويضات حلال في الإسلام؟

تختلف الإجابة على هذه المسألة بين المذاهب الشيعية والسنية. ففي حين يُجيز أكثر علماء الشيعة هذا الأمر، الكثير من علماء أهل السنّة يعتبرونه غير جائز. لذلك، ينبغي عليكم الرجوع لفتوى مرجع التقليد قبل الإقدام على هذه الطريقة العلاجية.

هل يُعتبر الطفل الناتج عن التبرّع بالبويضات شرعيًّا؟

نعم، يُعتبر الطفل الناتج عن عملية التبرّع بالبويضات شرعيًا لأن هذه الطريقة لا تتضمّن أيّ عمل مخالف للشريعة كالنظر أو اللمس المحرّم.

ما هي مكانة إيران في علاج العقم عبر التبرّع بالبويضات؟

تُعتبر إيران البلد الإسلامي الوحيد المتطوّر في هذا المجال والذي تتمّ فيه عمليات التبرع بالبويضات بصورة قانونية وشرعية بالكامل، وتحت إشراف كوادر طبيّة متخصّصة وذات خبرة عالية في هذا المجال.

ما هي الشروط التي ينبغي توافرها لدى المتبرّعة بالبويضات؟

تخضع المتبرّعة بالبويضات إلى فحوصات دقيقة وشاملة للتأكّد من سلامتها العامة وجودة بويضاتها، وأن تكون خالية من أيّ أمراضٍ وراثية أو مشكلاتٍ جينية. كما ينبغي التأكّد من عدم وجود سجلٍّ جنائي أو اضطراباتٍ نفسية لديها قبل الموافقة على التبرع.


لم يتم تسجيل تعليق

اترك تعليقا