حكم تأجير الرحم في الإسلام: هل هو جائز من الناحية الشرعية؟
علاج العقم
تواجه وسيلة استئجار الرحم والتي تعدّ واحدة من أحدث طرق علاج العقم تحديات مختلفة في العالم الإسلامي من الناحية الفقهية والأخلاقية. ففي فقه الشيعة، تعد هذه الطريقة جائزة ولكن تحت شروط معينة، أما من وجهة نظر أهل التسنن فهناك تردد أو رفض لشرعية هذا الأمر عند غالبية رجال الدين. ومع هذا لا يعتمد اختلاف الآراء فقط على جوازه شرعيًا أم لا.
وتُطرح قضايا أكثر تعقيدًا في هذا الخصوص: ما هو وضع الأم البديلة من الناحية الشرعية، هل يرتبط المولود بها أو بعائلتها من الناحية المحرمية أم لا، وعندما يولد الطفل في ظروف كهذه ممن يرث وكيف يتم تعريف عائلته؟ جميع هذه الأسئلة جعلت من مسألة الرحم المستأجر واحدة من أصعب القضايا وأكثرها حساسية في الإسلام.
سنعمد في هذا المقال إلى البحث والتحقيق في الآراء الفقهية للمذاهب المختلفة، وخاصة اختلاف نظرة المذهب الشيعي والمذهب السني فيما يخص موضوع تأجير الأرحام، وسنسلط الضوء على الآثار القانونية والشرعية بعد ولادة الطفل.
أسباب اعتماد طريقة استئجار الرحم
تعدّ طريقة الأرحام المؤجرة واحدة من الطرق الأخيرة لعلاج العقم. عادةً، يجرب الزوجين جميع طرق علاج العقم وفي حال فشلا في الحصول على طفل، فإنهما يلجآن إلى هذه الطريقة التي تعتبر حلًا رائعًا لهما. وقد تواجه السيدات ظروفًا مختلفة تقف أمام حلمها بالإنجاب:
- أحيانًا يُصاب رحم المرأة بعدة مشاكل أو أمراض تمنعه من القدرة على احتضان الجنين
- من الممكن أن يشخص الطبيب خطورة الحمل على حياة الأم
- قد لا يكون جسم الأم بيئة جيدة لنمو الجنين
جواز تأجير الرحم في الإسلام
الجواب هو نعم في الحالة العامة، ولا يوجد إشكال من الناحية الشرعية في الإسلام في موضوع الرحم المستأجر بشرط مراعاة القوانين والشروط أثناء هذه العملية.
- استخدام البويضات والحيوانات المنوية للزوجين الأصليين من أجل التلقيح.
- عدم حدوث أي علاقة غير شرعية بين الأم البديلة والزوج.
- تشخيص الضرورة والحاجة الحقيقية للعلاج باعتماد هذه الطريقة.
- كتابة عقد واضح وعادل بين الطرفين وأن لا يكون مخالفًا للأخلاق والشرع.
- الإشراف الطبي الكامل على وضع الأم البديلة منعًا لمواجهتها أي مشاكل صحية ونفسية.
/15_1756364840_large.webp)
رأي علماء الشيعة بموضوع استئجار الرحم
مع العلم بأنه لا يوجد مشكلة شرعية في الإسلام في موضوع تأجير الأرحام بشكل عام، ولكن يوجد اختلافات بين بعض العلماء والمراجع أيضًا. فالبعض منهم يحتاطون في هذه المسألة.
- يعتبر آية الله السيد علي الخامنئي أنّ تأجير الرحم جائز في نفسه بشرط إجراء التلقيح بين الزوجين بصورة قانونية وتجنب الطرق غير الشرعية كالنظر ولمس غير المحارم.
- يتشابه رأي آية الله السيد علي السيستاني مع رأي السيد الخامنئي. فأصل العمل جائز بشرط مراعاة الأصول الشرعية.
- من وجهة نظر آية الله الصافي الكلبايكاني، فإنه يرى أنه لا إشكال شرعي في أصل الفعل طالما أنّه تم دون النظر أو اللمس الحرام.
- أما آية الله فاضل اللنكراني وآية الله الخوئي فهما من جملة العلماء المخالفين لفكرة تأجير الأرحام ويعتبرونها من الشبهات.
رأي علماء أهل السنة فيما يخص الأرحام المؤجرة
نجد أيضًا اختلاف بين آراء ووجهات نظر أهل السنة، لكن وعلى خلاف علماء الشيعة فإنّ أغلب علماء أهل السنة يرفضون مسألة استئجار الرحم. والأسباب وراء رفضهم هي:
- ضياع الخصوصية والنسب العائلي واحتمالية وقوع اختلاف بينها.
- الشبهة في العلاقات المرفوضة في الإسلام، حتى وإن لم يحدث تواصل جنسي.
- بعض العلماء من أهل السنة يعتقدون أيضًا بأنه إن كان تأجير الرحم بنية خير ودون مشاكل مثل النظرة غير المناسبة فلا مشكلة فيه ويؤيدونه.
النسب، المحرمية وإرث الطفل من وجهة نظر الإسلام
من أهم التحديات التي تواجهها مسالة الرحم المؤجر في الإسلام من الناحية الشرعية هي أنّ الطفل الذي سيولد بهذه الطريقة لمن سيعود ومن سيرث؟
النسب
يعتقد أغلب فقهاء الشيعة أنّ نسب الطفل المولود سيعود للزوجين اللذين قاما بإعطاء البويضات والحيوانات المنوية. في الواقع يعود نسب الطفل لأمه وأبيه البيولوجيين. ولا تعتبر الأم البديلة التي حملته في أحشائها امًا شرعية ولن تربطها اية علاقة بالطفل.
المحرمية
في الحالة العامة يعتبر أغلب الفقهاء أن الطفل ليس محرمًا للأم البديلة. بالطبع إذا قامت بإرضاعه بعد الولادة، حينها ستصبح أمه بالرضاعة وبالتالي محرمًا له. ينصح بعض المراجع مثل آية الله مكارم إرضاع الام البديلة للطفل بعد ولادته من باب الإحتياط.
الإرث
من ناحية الإرث يحصل الطفل على إرثه من والديه البيولوجيين اللذين قاما بإعطاء البويضات والحيوانات المنوية. ولا يحق للأم البديلة مشاركة الطفل في إرثه بتاتًا. بالتأكيد يختلف الامر في الحالات التي يكتب فيها والدي الطفل في الوصية أو العقد المالي شيئًا للأم البديلة.
/16_1756364910_large.webp)
سبب رفض بعض العلماء مسألة تأجير الرحم
كما أشرنا فيما سبق، فإنّ بعض العلماء من أهل السنة والشيعة يعتبرون مسألة تأجير الأرحام من الشبهات. وقد وضحوا هؤلاء أسبابهم كما يلي:
إختلاط الأنساب
إنّ احتمالية اختلاط الأنساب بسبب تأجير الرحم هي واحدة من أهم أسباب مخالفة العلماء لهذه الطريقة. فتحديد الوالدين الحقيقيين لكل طفل مهم جدًا في الفقه الإسلامي. وعندما تلد امرأة طفلًا ليس من بويضاتها فإنّ هذا الأمر سيتسبب بخلق شبهة في نسب ومستقبله.
عدم وجود التوافق في بنية الأسرة التقليدية
يؤمن بعض المخالفين بأنّ هذه الطريقة الحديثة في علاج العقم لا تتناغم مع البنية التقليدية والطبيعية للأسرة. لذا يتعارض هذا الموضوع نظرة الإسلام التقليدية لمفاهيم مثل العائلة، الأب والام.
خلق مشاكل قانونية وأخلاقية
قد يتسبب تأجير الرحم في بعض الحالات بظهور مشاكل قانونية وأخلاقية. مثال على ذلك، يمكن حدوث إرتباط عاطفي بين الام البديلة والطفل وبالتالي سيتسبب لها إعطاء الطفل لأهله بعد ولادته بمشاكل وأضرار نفسية كبيرة. كذلك يمكن أن يخالف أحد الاطراف العقد وعندها ستقع مشاكل قانونية .
التجارة بالبشر
من الأسباب الأخرى لرفض هذه الطريقة هي أنّ هذه الطريقة العلاجية قد تحولت إلى تجارة وتسببت في إهانة الكرامة الإنسانية واستغلال فقر بعض النساء. يعتقد البعض أنّ هذا الأسلوب العلاجي يتعامل مع المرأة على أنها أداة لتحقيق أهدافه.
/17_1756364958_large.webp)
الخاتمة
على الرغم من وجود اختلاف كبير في وجهات النظر فيما يخص استئجار الرحم بين علماء الشيعة والسنة، فإنّه لا يوجد إشكال شرعي في اعتماد هذه الطريقة العلاجية من وجهة نظر الإسلام. هناك قوانين وشروط تحكم تأجير الأرحام من الناحية الشرعية والتي يجب أخذها بعين الإعتبار. كتابة عقد محدد وواضح ومراعاة الأصول الشرعية والأخلاقية حولت هذه الطريقة العلاجية إلى خيار ممتاز للأزواج المسلمين العقيمين.
الأسئلة المتداولة
هل تأجير الرحم حرام أم حلال في الإسلام؟
يعد تأجير الرحم بالمجمل حلال وجائز في الإسلام بشرط أن يتم التلقيح بين الزوج والزوجة الشرعيين دون حدوث علاقة غير شرعية.
رأي مراجع التقليد في مسألة تأجير الرحم
تختلف آراء مراجع التقليد فيما يخص هذا الموضوع. ومع ذلك فإنّ غالبية المراجع تجيز هذه الطريقة العلاجية. إذا كنتم تفكرون بالقيام بهذا الأمر يجب عليكم مراجعة فتوى المرجع الذي تقلدونه.
هل يعتبر الطفل المولود محرمًا للأم البديلة؟
يعتقد أكثرية الفقهاء أنّ الطفل المولود لا يكون محرمًا للمرأة التي حملت به. وبهذا يفضل إرضاع الأم البديلة لهذا الطفل حتى تصبح أمه بالرضاعة وبالتالي محرمًا له.
هل يجوز الحصول على المال مقابل تأجير الرحم من الناحية الشرعية؟
يعتقد أغلب الفقهاء أنه لا يوجد مشكلة شرعية في حال إبرام عقد واضح دون إبهام يتضمن تكاليف الرعاية الطبية، الحمل والولادة. ولا يجب أن يتحول هذا المبلغ لتجارة تقلل من القيمة والكرامة الإنسانية.
لم يتم تسجيل تعليق
اترك تعليقا